لفهم أزمة أميركا الاقتصادية

aبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اعتبرت أميركا أقوى دولة في العالم بفعل ثلاثة عوامل مهمة: النفوذ الاقتصادي إذ بلغ الناتج القومي الأميركي 45% من أجمال الناتج القومي العالمي، وهذا أهلها لقيادة العالم العالم اقتصاديا ضمن النظام الرأسمالي الليبرالي، ثم قامت أميركا بفرض الدولار كعملة احتياط استراتجي عالمي يتم حل مشاكل العالم من خلاله.
أما العامل الثاني فهو النفوذ السياسي العالمي المدعوم من النفوذ الاقتصادي. أما العامل الثالث فهو النفوذ العسكري الهائل باعلان أميركا نفسها أمبرطورية عسكرية مرعبة، بعد سيطرتها على كل التكنولوجيا الإلمانية بعد هزيمة إلمانيا في الحرب.
بقيت أميركا حتى عهد الرئيس الأميركي بيل كلنتون مسيطرة فعليا على الأسواق العالمية وقد بلغ فائض انتاجها القومي حوالي 250 مليار دولار

ولكن ما الذي حدث فقلب الأمور رأسا على عقب?!

بعد سيطرة المحافظين الجدد على مقاليد الحكم في أميركا مع جورج بوش الأبن، تبدلت الأوضاع من الأحسن إلى الأسوء، وبدأ الإقتصاد الأميركي في التراجع وانعكس ذلك سلباً على الشريك الأوروبي وعلى الدول العربية التابعة للإقتصاد الأميركي، وذلك للأسباب التالية:
1- زيادة القروض غير الانتاجية في أميركا مثل البناء والمنازل، وعندما لم يعد عند المستدينين من المصارف الأميركية المقدرة على سداد ديونهم، وحجم هؤلاء هائل جدا، اضطرت الحكومة اغراق الأسواق بالدولار التي لا يوجد لها أصول ثابتة وقد بلغت هذه الأموال 160 ترليون دولار، ما جعل الفائض السلبي يبلغ 125 مليون دولار، فتدخل الكونغرس مطالبا بدفع 700 مليار دولار للمصاريف لتغطية الديون.
2- تراجع الانتاج القومي 45% من النتاج القومي العالمي إلى 27% بسبب منافسة الانتاج القومي الصيني من جهة والانتاج القومي الأوربي من جهة أخرى. وهكذا فقدت أميركا العامل الأول في قوتها العالمية وهو النفوذ الاقتصادي.
3- تورط أميركا بحروب لم تأت مفيدة لإقتصادها، وصبت كلها في مصلحة حليفتها اسرائيل، وكان ما دفعته أميركا ثمنا لهذه الحروب هو أضعاف أضعاف ما أخذته من ثروات البلدان التي حاربتها.
4- الخطوة الصينية التي تمثلها ببيع كما كبيرا من احتياطها بالدولا لصالح اليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني، فشكل ذلك ضربة قوية للإقتصاد الأميركي وجعل قيمة الدولار وهمية.

ماذا بشأن الحلول لحل هذه الأزمة المالية?

لا شك أن أميركا هي دولة قوية جدا، ولكن حتى الآن لم تبدو الحلول ذات نتيجة ثابتة، وخاصة بوجود دول قوية اقتصاديا ومستعدة للمنافسة الاقتصادية وعلى رأسها الصين. وهذا ما يفسر تصنيف أميركا لدول اعتبرتها محور الشر ومنها ايران وفنزويلا وكوريا الشمالية وستضيف إليها أميركا وبشكل غير معلن الصين وروسيا(العامل اقتصادي والزريعة سياسية) وربما هذا ما يفسر سبب الحروب الجديدة التي تصطنعها أميركا،وتغطيها بأسباب أخرى تفعل معها كل جهدها لإقناع العالم بها.

الخوري حنا كرم من ولكس بري في مقاطعة بنسلفانيا تاريخ08-10-18

لقد تكلمت في الحلقة السابقة عن الأسباب البعيدة وغير المباشرة التي أحاطت وساعدت في التمهيد لأزمة أميركا المالية والاقتصادية، وفي هذه الحلقة سأتكلم عن الأسباب القريبة والمباشرة.

بدأت الأزمة بموجب رعب اجتاح الأسواق الإقتصادية بسبب أعلان أحد أهم بنوك أميركا افلاسه، وكاد أن يعلن ذلك بنك آخر لا يقل أهمية عن البنك الأول.
ساد الزعر الأوساط الإقتصادية لأن حدثا مماثلا حدث في أميركا سنة 1929 واستمر عشر سنوات حتى 1939، وجعل ربع الأميركيين عاطلين عن العمل( البطالة 25%) فصارت الحكومة تطعم الناس الجائعين الشورباء الساخنة في الشوارع، وقد سميت تلك الأزمة " بالكساد الكبير"، وقد تأثرت بها كل الدول الغربية ما عدا الاتحاد السوفياتي لأنه كان في ذلك الوقت مغلقا على نفسه.

لقد انهار سوق المال:

لنفهم ما حدث، علينا أن نعلم أولا أن البنوك والمؤوسسات المالية وبنوك الاستثمار هي بمثابة شرايين الجسم التي إذا ما تعطلت تعطل الجسم كله.
ثانيا: إذا كان التاجر يريد أن يعمل فبين عمله وبيع البضاعة وتلقى الثمن وإيفاء الديون وقت يجب أن يسدده البنك الذي يعطي الديون، فإذا تعطل المصرف توقف عمل التاجر، وبين ما تصنعه المصانع ويوم تبيع منتجاتها لتأخذ الأرباح وتعيد للمصاريف ديونها وقت يجب أن تدفع فيه الأموال من المصارف كديون فإذا تعطلت المصارف تعطل العمل كله، فلا انتاج ولا بيع ولا أرباح.

ما الذي فجر هذه المشكلة?

هي القروض التي لها علاقة بالقطاع العقاري، أي بقطاع شراء البيوت. ابتداء من عهد جورج دبليو بوش توسعت البنوك بشكل كبير في سياسة القروض لشراء البيوت، بغية تحقيق أرباح كبيرة.
المبدأ السائد هو أنه عندما تتوسع البنوك في اعطاء الديون يزيد سعر البيوت بسبب توفر المال للشراء، وعندما تقلل البنوك من الديون يقل سعر البيوت بسبب قلة المال لشراء المنازل.

ما الخطأ الذي حدث?

توسعت البنوك في اعطاء الديون لكمية هائلة من الناس، وتساهلت فيها حتى أنها أعطت ديونا بدون كفالات أكيدة، وحتى بدون دفعة أولى، ولأشخاص لا يكفي دخلهم السنوي بتسديد هذه الديون.

ما الذي دفع هذا الأمر أن يحصل?

هو سياسة الإصلاحيين الجدد مع الرئيس جورج بوش، الذي قامت حكومته بضرب المبدأ القديم القائل بالرأسمالية المقيدة وجعلها رأسمالية مطلقة، فقامت الحكومة بتخفيف وحتى الغاء القيود عن المؤسسات المالية منها المصارف، فأصبح لها الحرية المطلقة في اعطاء القروض، ولم تعد خاضعة للرقابة? فحدث ما حدث، مما أثار اليسار الأميركي الذي انتقد تحول الرأسمالية من رأسمالية مقيدة إلى رأسمالية مطلقة والذي تسبب بأزمة اقتصادية كبيرة.
عادة تقوم المصارف المالية بأخذ البيوت وعرضها للبيع عندما يعجز صاحبها عن الدفع، وبهذا تضمن حقها. ولكن عندما عرضت المصارف هذه البيوت بشكل كبير للبيع، هبطت الأسعار، فوجدت المصارف أن ما أخذته لم يعد له القيمة المطلوبة من ناحية ، ولم تعد للمصارف السيولية اللازمة من ناحية ثانية لأن ما معها من مال أعطته قروضا، وبسبب غياب هذه السيولة قل الطلب على شراء البيوت، فإنهارت الأسعار، وبدأ العجز التراكمي.

كيف تساعد قلة سيولة المصارف المالية بالانهيار الاقتصادي?

عندما تقل السيولة تتأثر بذلك كل قطاعات المجتمع الاقتصادية من زراعية وتجارية وصناعية وخدماتية لأنها تعتمد على الاستدانة من المصارف. فمثلاً، عندما لا تستطيع المصانع أن تأخذ قروضا، تقلل انتاجها، وتطرد عمالها فتزيد البطالة، وعند ذلك يخف تواجد المال في أيدي الناس، فيخف الإقبال على الشراء، وعندما يخف الانفاق عند الناس، لا تستطيع المصانع بيع منتجاتها، فتعمد لطرد عمالها من جديد وتزداد البطالة وهكذا دواليك، فتنهار مؤسسات المجتمع الاقتصادية.
وهذا ما أرعب المجتمع الاقتصادي هو العودة إلى سنة 1920، لأن البطالة في أميركا بلغت حتى الآن 6%. وهذا ما أشعل المعسكر اليساري الأميركي ضد إدراة جورج بوش.[/size]

نشكر الكاهن الجليل على هذا الشرح الجميل والذي سهل لنا فهم الآزمة العالمية والتداعيات الاقتصادية التي هزت العالم الغربي، فقد جعلني أسلوبه الشيق والسهل أطلع أكثر على تفاصيل وحيثيات هذا الحدث البالغ الأهمية. أنك تؤكد لنا مسيرة العلم التي تميز بها من أنت في صفهم فكانوا دعامة الدين والدينا.

تحية صادقة لأستاذة ليلى، فأنا يا أختاه أسعى من خلال هذه الدراسة لنشر المعرفة الصحيحة حول أزمات العالم الإقتصادي التي تعنينا بشكل مباشر أو خلافه، لأننا من خلال المعرفة الصحيحة نبني آراء صحيحة ومواقفا صحيحة، فالمعرفة تبني والجهل يهدم. وها أنا اترك لكل كاتب حر، وباحث متعمق أن يبدي رأيه، وأن يقدم لنا قراءاته في هذا الشأن إذا رغب في ذلك.

بدأ الصراع بين الايديولوجية الاشتراكية والرأسمالية وبرزت معلمه بوضوح إبان الحرب الباردة بين الجبارين العالميين، التي تعدت الحرب إلى عالم الاقتصاد، فحاولت الرأسمالية أن تمارس نوعا من الديمقراطية الاجتماعية كانت الاشتراكية قد فشلت في تطبيقها، بل تورطت في الفساد والمغامرات الفاشلة.
أرادت الراسمالية بسطت سيطرتها بقوة على اقتصاد العالم فاعتمدت باب العولمة، حيث اضطرت الدول في معظمها بفتح أسواقها أمام الشركات العابرة للقارات. ثم خطت الرأسمالية خطوة أخرى قلبت بعض المقاييس رأس على عقب، فاعتمدت المعلوماتية في تجارتها العالمية فتحولت إلى الماركات والعلامات التجارية والدعاية مستغلة الجمال واللذة لتحقيق مآربها فلم يعد مع هذه الخطة الجديدة البيع في سبيل المنفعة، بل تحول إلى سبيل اللذة والسعادة، وهكذا تحول الاستهلاك من المنفعة إلى اللذة. وعندما رأكزت الدعاية الجديدة على الموضوع الجنسي بغية المزيد من الاستهلاك، أساءات التجارة في مفهومها الجديد إلى المنظومة الأخلاقية. ثم ارتبطت قيمة المستهلك الانسان، بالماركة والعلامة العالمية، وأدخلته في عالم التشيء، فأصبح الانسان والشيء أمرا واحدا، فشكلت الرأسمالية بنظامها الجديد المنفلة من القيود خطرا على الانسان