وطني غربتي وشعري زماني

نزار قباني
في ذكراه العاشرة

( 1 )

تركض الشمس في مدى الأجفان
تفتـــح العمر للبقاء الفاني

وظلال الأشــعار توقد صبحا
من زهور المنى على الأغصان

وزمــان الأنوار يزرعُ وهجاً
كاشـتعال الألوان في الألوان

يرقص الشرق في الشموس سريعا
وتموت الأعمار في الأحزان

( 2 )

المسافات .. قهوة الصبح .. حلم
شرب العمر سحره في كياني

وبريق الأشــعار صار سـماء
تتـلألا نجومــها للعيـان

من كتاب الأنوار أقرأ شــعري
وبورد الهوى أغــط بناني

والصـــبابات حانيات بروحي
والثواني تلتـف حول الثواني

( 3 )

تلك غرناطــة .. تطل علينا
فوق كفيك من عتيق الزمان

لهث الشعر خلف بوح حروف
تتمشّى في مرجــل الغليان

وردة الشوق فيك رقصة سامبا
إنحناء في شـــهقة الاتزان

وعلى السكر في كؤوسك ألقت
خصلة الشعر وردها الأسباني

( 4 )

يا نزار العشاق ... بعدك ماذا
يفعل العشق في الزمان المهان؟

عشرة يا نزار .. مرت عجافا
يا صديقي ... ولا نزال نعاني

عشرة يا نزار ... مر بها العمر
بطيئا ... في موكب الأشجان

عشرة يا نزار ... والحرف ميت
وجراح الكلام ملء لســاني

صوتنا مبهم كدمع التماســيح
بعين الأعراب والعمـــيان

تعب الليل في عيــون المرايا
تعب الحلم في عيــون الجبان

( 5 )
الدواوين ... بوحـــها عربي
ســـامح الله غضبـة العربان

يتســـــلون بالزمان ثقيـلا
يرشـــقون الأعمار بالأزمان

ألبسونا ثياب كسرى أنو شـروان
كدنا نضيع في الطيلســــان

مات كسـرى .. وما نزال حيارى
أين منهم كسـرى أنو شـروان

( 6 )

راح ديك ... وجــاء ديك وديك
وتجلى الديوك في الميـــدان

وبدا موســـــم النتف للريش
وضجت مســــالك الأوطان

وتهـادت دوائر الفجر ... جمعا
وتنادت لرقصـــــة العميان

كلنا يا نزار حقــل اتــــهام
كلنا .. كلنا .. ســوى الحيوان

والصّــليب الذي حملنا ... اتهام
هل ترى فوق كاهلي صــلباني

( 7 )

حلف الفجر !!! لن يزور جفـونا
لم تكحل أحلامـــها بالأماني

حلف الصـــبح لن يزور بلادا
لا تسمي الإنســان بالإنسـان

حلف الدين لن يكـــون مـلاذا
لتلاقي تجـــــارة الأديان

حلف الرب لن يكــــون إلـها
حيث تســمو عبادة الشيطان

( 8 )

ألف مايا وألف شـمس وشــمس
طالعات من ظـهرها العـرقان

ألف إبط هنـا يوشـــح عينيـه
بعطـر الحضــارة الولـهان

ألف قارورة وبـوح من الخــمر
رقيق ,,, عليه حقــل معـاني

والنبيـذ الذي تحــدّر في الروح
ســـيجني مواهب الســيقان

صـدق الســكر والنبيــذ ومايا
صـدق الكذب في عيون الغواني

( 9 )

أنا في براغ .. حيث وعـد المسافات
طليق في موكب الخفقــان

يسـبح الماء تحت جســر عتيق
وتقـوم الميـــاه كالمهرجـان

وبهاء التاريـــخ يرخي ذراعيـه
طويلا في وحــــدة الرهبان

أنا في براغ .. كيف أغـدو غريبا
وأمامي مواكب الحـــــدثان

ها هنا براغ يا رفيق المسافات
وهذي بدائــع الرحـــــمن

( 10 )

أنا في براغ حيث يوجــد حــب
كل يوم من روعــة الوجــدان

أنا في براغ لسـت .. لسـت غريبا
وطني غربتي .. وشـعري زماني

أنا والريــح يا نــزار خرجـنا
كالضـحايا من موســم الأكفان

وزرعنا الحياة موســـم شــعر
وقتلنا مواســــم الإذعـــان

وفتحنا للكائنـــــات زمــانا
وذبحـنا عبـــــادة الأوثــان

أنا والشـــمس يا نزار طلــعنا
من شـروق الشـروق والقصـدان

( 11 )

يولد الشـــاعر الكبير كبيرا
يجلد العمر ســـوطه النيراني

يدخل البرق للســـماء منارا
ويـدوي لكـــل قاص وداني

يصبح السمع في الأصابع والجلد
كبيرا في موســـــم الآذان

وتنادي على الحروف أغــانِ
يملأ النفس ســحرها الوجداني

( 12 )

كتب الحسن شـعره ... فالصبايا
ثمر الحسـن في رموش البـيان

وعلى الأفق للمرايا اشــــتهاء
أي أفـق لا يشـــتهيه مكاني

موسم الوحي .. في النفوس تجلى
في نزار الشـــــآم والإنسان

جعفر حيدر – براغ 29/4/2008

تحية إكبار واجلال لشاعر فذ تنصاع له الكلمات برقتها وعذوبتها وجمالياتها لتنساب عبر القافية واللحن وجرس الكلمة لترن في الأذن، وتهتف فيه هتاف المتسائل:
" يا نزار العشاق ... بعدك ماذا
يفعل العشق في الزمان المهان؟"
واسئلة أخرى ربما لا أجوبة لها، أو أجوبة خرساء.
من غربتك تنادي لعل ذبذبات الأثير تحمل لوعة الشوق، فهل من سامع?!!! ونزار صرخ قبلك ولم يسمع أحد!!.

» سأخون وطني
» من غربتي ومن بقوة سنيني