بالتفصيل حول محاورة سليمان ومحمد

اول ما نرى في هذه المحاورة العملاقة تطورا في الصورة الشعرية وفي الاستعارة الأدبية. دعوني أكون أكثر وضوحا: الشاعر سيستعمل اسلحة مجازية ينقض فيها على خصمه انقاض الأسد على فريسته، وهو في الوقت ذاته صديق مخلص لخصمه في الشعر، من هنا نحن أمام مفترقين:
١- نحن لا ننقد شخصية الشاعر، بل نحاسبه على ما قاله، ونطق به، ولا نتطرق إلى شخصته إلا عرضا من باب ثأثراته الثقافية مثلا، لذا صبرا علينا كنقاد.
٢- أما بيت القصيد فهو ما كتبه الشاعر وما نطق به، ومن هنا نبدأ أي من ألاسلحة التي اعتمدها الشاعر في حرب داحس والغبراء المجازية، وصدقوني أن تكسير رؤوسا مليانة كرئسي محمد وسلميان لا تنفع معها أدواة بدائية، وخاصة عندما يستعملان اسحة الدمار الشامل المحرمة دوليا المسموح بها شعريا. في حرب النجوم، وسليمان ومحمد نجمان أين منهما عطارد والمريخ هناك اسلحة مترصدة في فلك الشعر حذار على غير النجوم الاقتراب.
أما بعد...
" رح فوت..!!! متل البنج بين مفاصلك***بتحسّ فيّي بس ...!!!ما بتقشع حدا"
ويلاه من تطور في الفكرة، ومن سلاح بكاتم صوت -إبرة بنج- ها هو سليمان ينتحل دور الطبيب ويشهر ابرة بنج صغيرة الحجم قوية المفعول، لعل الجيوش تستلهم فكرته وتصنع من البنج سلاح المستقبل، أو لم تفعل في الدعاية والحرب النفسية، فهل بدأ سليمان حربه بالحرب النفسية (المعنى في قلب الشاعر)
فكيف جاء رد عزيزنا محمد?
" وْتَ يْصِير فِيك تْغَادِر مْنِ مْفَاصْلِي"
هذا الشطر يختصر معنى القوة والمناعة، فمحمد سيخضع لبنج سليمان بثقة النفس كأنه يقول: "سلاحك لاينفع معي"، وأنا من سقى "زهر الدني" من دموعي: أي أنه تعود الالم، وصار صديق الوجع. شكل دفاع محمد نقطة قوى، جعلت سليمان يتخلى عن سلاحه الجديد، ويقلل من فعاليته بعد توبيخ خفي جعل من سليمان يسيء استعمال الدواء " مِثْل البِنِج خَلِّيك أوْ مِثْل الدَّوَا". لقد فعل دفاع محمد فعله فجعل سليمان يختار سلاحا تقليديا من العصور المنصرمة أي حربة مسنونة أو مسمومة? فكيف دارت رحى المعركة في هذا السلاح الجديد، وكيف رد محمد ضربات الرماح? وهل " تكسرت النصال على النصال"? هذا ما سنراه في بحثنا القادم لأن الطعام الدسم لا يؤكل مرة واحدة.

بدأ سليمان هجوما مباشرا
"رح فوت نبلة براس حربة منجّرة***تدخل بصدرك...!!!بس تطلع من ورا".
ثم قال أنه يدخل شيئا ويخرج أفضل منه. ولم يقل لنا أين يدخل! أفي صدر محمد الخطيب? وما هو العامل الذي يجعله يتحول من.. إلى? أهو صدر محمد? تركنا هنا شاعرنا سليمان حيارى!!
فيما نرى محمد هنا أكثر منطقية حيث حدد منطقة الدخول، فهي النار التي تحول خشب سليمان لرماد، وهي أيضا العركات التي تحف الشوارب - يا للعار- لقد حدد محمد بدقة مكان الدخول، بينما حيرنا سليمان فيه.
غير أنه عاد ليدخل كأس عرق (كاسك يا سليمان بعرق متلت من كركات جدي) عاد سليمان ليحارب محمد بسلاحه القديم ونراه يستهوي تخديرمحمد هذه المرة بالعرق لا بالبنج. وبقي لنا أن نسأل محمد إذا ما شرب سليمان عرقا صافيا من أين سيخرجه? غير أن سليمان كال له بالكيل الذي كال به وأزود، وذكره بمأثور القول أن "الخمرة تذهب توا إلى الرأس" وزاد على توصيفه بالقول البليغ:
"ونسيت أنو الراس مخرج للعرق***ألا ...؟أذا بيكون راسك...!!!من تحت "
واستمرت المحاورة حتى توصل محمد تشبيه سليمان بالرئيس الأميركي الذي ضربه صحافي عراقي بنعله (أرى في هذه الحادثة انتكاسة خطيرة في عالم الصحا فة، وانتكاسة أخطر لمن هلل لها، لأن حوار أهل الأقلام يجب أن يرتقي إلى ما فوق الأقدام، والصحفي نفسه ينتمي لدولة غازية، والغزاة جميعهم في قفة واحدة، لعله حينها كان من المصفقين والداعين بطول العمر والخاتمة السعيدة).
كان رد سليمان منطقي، يضمنه معنا عظيما، أن العتب على الغازي يجب أن لايكون أكبر من العتب على البلد الذي خان وطنه وتعامل مع المحتل، لم ينزلق شاعر كبير كسليمان منزلق الكثيرين من مفكري وشعراء العرب الذي اصبحت الكندرة مصدر وحي أدبي فنظمت فيها المطولات!!!
ثم جاء رد محمد بقصيدة عصماء ترتفع فوق الأشياء، وحبذا لو اقتدى به كل اؤلائك الشعراء الذي صار كل همهم التغزل بحذاء الصحفي وفعله القبيح ومهما كانت المبررات.
"إطْلَع عَسْكَرِي الأعْدَاء فَزَّع = يَ حِيفُو إللِّي بِعَادِينَا يَ حِيفُو
إطْلَع قُنْبُلِة مِن بُوز مَدْفَع = بِوِجْه المُعْتَدِي وْكِل مَن حَلِيفُو"
ختم سليمان بقصيدة عصماء أخرى ضمنها جميل المعني، وابدع في الدخول والخروج، فجاء التنسق رائعا يعملقه في مجال الشعر. ثم اعترف بعمل سام بجارة الشاعر محمد الذي يستحق هذا الاعتراف منه ومني ومن كل شاعر أو ناقد، أو متذوق لنكهة الشعر الفريدة ولكلمة جريئة من شاعر فذ مبدع كسليمان ومحمد.
تهاني وتقديري..

» محاورة سليمان وعصام يوسف سألنا على سليمان
» محاورة رائعة عصام يوسف ومروان سليمان
» صفحة التعليق على المحاورة بين شامخ ومحمد الخطيب
» محاورة طريفة }
» محاورة مع الشاعر شفيق ديب